ما أكثر الناس الذين لا يحبون إلا أن تمدحهم وتثني عليهم وتغدق عليهم عبارات الشكر والثناء والتمجيد، وأما إذا ما حاولت أن تبصّرهم وتلفت نظرهم إلى أخطاء وقعوا فيها، وقدمت لهم النقد الهادف وبأسلوب راقي ليس فيه خدش للمشاعر ولا ازدراء ولا صلف، وجدتهم وقد تلونت وجوههم وأبدوا الانزعاج وظهر عليهم الكرب وكأن السماء أسقطت عليهم كسفاً.
هذه الفئة التي لا تحب النقد الهادف لن تتقدم، لن تتطور لتواكب المسيرة. أما لماذا؟ فلأنها اعتادت على التطبيل والتصفيق حتى شعر أفرادها أنهم فوق النقد، لأنهم نفسياً لا يريدون رؤية الجانب الحقيقي لهم وكل ما يريدون هو رؤية جانب واحد فقط، الإيجابي وكأنهم ملائكة منزهون من القصور.
لكن يعظم الأمر عندما يكون (هواة المديح ولا غيره) إداريين ومسؤولين تجدهم يستغلون صلاحياتهم لمصادرة اراء الاخرين ومثال ذلك مراقب في منتدى ما عندما اعيته الحجه في موضوع كتبه،اخذ يتخبط ويحذف رد هذا ،ويتجاوز رد هذاوفقد جميع معاني الحياديه..فهو لايبقي من الردود الا مايوافق هواه،واعمته نرجسيته عن قبول اراء الاخرين.
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قبل النقد من امرأة على مرأى من الناس ولم يغضب، بل قال: أصابت امرأة وأخطأ عمر. وقال في موضع آخر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - "فوالله إن ردني الحق عبداً لأذلن ذل العبيد".
لذلك من الخطأ أن يشعر أحدنا بأنه مبرأ من العيوب، لهذا عندما رفض شخص النقد وقال: "أنا لست ممن يقبل النقد"، فقلت له: تنح جانباً لأن الناجحون هم فقط من تكون قاعدتهم الذهبية، وليست النرجسية الشخصية. (رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي...)، وهذا سيقرأ نجاحاته في أعين الآخرين، ولكني لم أفرط في لوم هذا الشخص، لأنه نتاج لممارسات خاطئة اعتاد عليها في محيط حياته، مرة منه، ومرة من الاخرين، حينما أسرفوا في تقديم عبارات الشكر وغفلوا عن تنبيهه إلى الطريق الصحيح ،مثل هذا كثير يحتاجون إلى مهارات في التعامل مع قبول النقد ونقد الذات، لأن الله - سبحانه وتعالى - قال: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
وهنا دعوة للتغيير الإيجابي والتغيير مرهون بأن يعرف المرء كشف الحساب، ولن يستطيع وحده أن يكون قادراً على تقييم نفسه ليحدد أين موقعه؟ بين الناس!
إن تقبل الشخص للنقد لدليل وعي يعرف به، لأنه يدرك أنه الذي يكشف له جهوده وأدواره، وهل هي في الطريق الصحيح، أم لا،وعكسه دليل ضعفه. نقد الآخرين له. ليست المرآة التي قد تكون خادعة له، لأنها لا تعكس سوى المظهر، وإنه يحق للإنسان أن يرفض النقد إذا كان غير صحيح، أو ينطوي على أهداف وغايات سيئة، ولكن لا يحق للإنسان الناجح أن يرفض النقد إذا بني على معلومات وحقائق ورصد دقيق، لكن علتنا تبقى في أن هناك فئة تبث الإحباطات وتختلق الأعذار من علاماتهم أنك دائماً ما تسمع أحدهم يردد "ما عندي في أحد أو لا يهمني ما يكتب"! مثل هذه العبارات لا تنم عن تحمل للمسؤولية أو الإحساس وقد قيل:
كن رجلاً إن أتوا بعده يقولون مرّ وهذا الأثر
عندما يقول أحدنا لا أفكر في أحد وهي عبارة نسمعها، فهي لا تزيد قائلها سمواً ورفعة بقدر ما تسقطه في أعين الناس والشاعر يقول:
ومن هاب الرجال تهيبوه ومن حقر الرجال فلن يهابا
إن من لا يرد النقد ولا يرضى بالتوجيهات ولا يؤمن بتبادل الافكار! يخسر الكثير.وعندما يفقد الاخرين الجراءه على النقد الهادف وذلك وفق سياسة - مشي حالك - لا تحرجونا - كل شيء إلا كسر الخواطر -، سنخسر الكثير مما جعل يطل علينا جيل لا يقبل الحوار ولا يؤمن بالنقاش، ولا يعرف ماذا يعني النقد الهادف الذي يقدم له في طبق من ذهب على شكل هدايا، لهذا لم نعد نحفل بالجديد وعشقنا الرتابة وخلقنا جيلاً يقاوم التغيير ويضع العصا في الدواليب كلما أردنا أن نتحرك للأمام بخلق ووضع الأعذار وتضخيم الصعوبات.
بتصرف،،،
تحياتي لكم